كتاب لها

ديوان “بلا حقائب” لمنى أبو حمزة سمفونيّة حزن وفرح

إنّ التجربة الشّعريّة في ديوان “بلا حقائب” لمنى أبو حمزة، انطلقت لتنفعل بالحدث وتتفاعل به. وقد حقّقت حلمها العميق، عندما عاشت على إيقاع سمفونيّة الحزن والفرح.

على الرغم من أنّ الشاعرة إعلاميّة مشهورة، ذات إحساس مرهف، فإنّها لم تحوّل شعرها إلى برج عاجيّ كلاسيكيّ، وانتشلته من الصالونات الاستقراطيّة الملوّنة التي يُعنى بها الإعلام. فقد كان التزامها من خلال هذا الديوان بقضايا الوجود الأساسيّة، وأوجاع البشريّة، ومتطلبات الواقع الإنسانيّ في الحرّيّة والسّعادة، من خلال بوح شعريّ يدخل الروح بسلاسة، شبيهاً بحضورها البهيّ المحبّب في كلّ برنامج تلفزيونيّ قدّمته.

كان شعر أبو حمزة مجالاً، تمكّنت به من التحرر من متطلبات واقعها، والتزمت باستطاعات تعبيريّة وشعوريّة دافقة، ومنعطفة على قضايا اجتماعيّة وجوديّة كبرى في المجتمع الشرقي: “اليوم أختن/ جنب النيل/ سواد الشرق/ يحميني.” (صفحة ٢٤). هنا ارتقى شعرها إلى مجال الشّعر الحضاري الإنساني، ولم تكن رؤياها لهذا الموضوع وهماً علوياً أو حلم يقظة آنيّاً. بل كان محصلة معاناة ممزوجة بالألم، وملتزمة بواقع المجتمع الممزّق بالتقاليد وارهاصات حاضره.

كشفت مغامرة منى أبو حمزة، انفتاح تجربتها بعيداً عن الخصوصيّة المهنيّة. فقد عانقت عالمها الآخر الخفي عن متابعي أخبارها بحرارة، وكان فرحها إيقاعاً للوجود ولغة الطبيعة، ومُطلقَ الحياة الإنسانيّة في اتّجاهها الأبديّ الصامت المبهر، نحو التكامل بالعطاء: “أبغير الأريج /تُعرف الزهور؟/ أبغير أضوائها/ تتّضح النجوم؟.” (صفحة ١٤).

نسفت منى أبو حمزة قواعد العلم المعرفيّة الفيزيائيّة، فقد استغرقت بالتصوّر واستحضار الخيال. ووضعت تجربتها في حقل التناقضات ومسافة التحوّلات: “أجمع المياه/ بدون إناء.” (صفحة ١٨). وكأنّها دالية يتعرّى فيها النسغ قبل أن يحوّله إلى خمرٍ. وهنا لم يعانِ السّائل الّذي يحملنا إلى الحلم من الحصار الأبديّ، لأنّ إناءه العنقود الذهبيّ. كما أنّ المرأة هي إناء ماء الحياة، وقد جعلها الربّ هكذا لتتم عملية الخلق.

لم تتلذّذ منى أبو حمزة فقط بالوجود، لكنّها كشفت أنّ تجربة الفرح التي يمارسها المجتمع، ليست إلّا انعكاساً لفشل قضاياه، وسرعان ما يعود إلى أحقاده. وتتحطّم أفراح الشّاعرة على عتبة الآمال، حين عاش الإحباط في ضمير التاريخ، ويعيش الساعة في ضمير الواقع: “فالوجود/ خيالات،/ جفّت فيها المعاني/ والآمال،/ نكات،/ أغلبها قد أبكاني.” (صفحة ٦٨).

“الفرح، كدفق مياه،/ ينبع من عمق ذاتي/ووجهي في الكلّ ألقاه/ فكيف أخشى مماتي؟/ ما المنايا ألّا عبور نحو الأفق الآتي.” (صفحة ٨٤) إنّ هذه التعابير هي في ذاتها انبثاق عمق إنسانيّ، يعلو على الواقع المادّي ويتعالى عليه، ويحوّلها إلى صخب في صميم الواقع والوجود. فالشّاعرة بما تحسّ في وجودها من مساواة بين البشر، في الخلق والواجب الإنسانيّ، وبما ترى فيه من إمكانية كبرى لمواجهة الموت ، كأنّها تصبو إلى الإيمان كضرورة قصوى للفعل الإنسانيّ في الوجود. وإنّ تطلّعها الأقصى إلى المطلق من خلال الكلمة، لا يدعوها إلى الهرب بقدر ما يدعوها إلى الفعل الحميد والاستمرار بحب الحياة. وحسبها زاداً في رحلة حياتها أن تكتسب الغفران، لا أن تحترق في دوامة الوجود، لأنّها تؤمن بالعبور إلى أفق أوسع.

كتبت منى أبو حمزة الشّعر، حتّى ثمالة الورق الأبيض من الحبر، ولم تكن مجرد هاوية على دروب التعبير الإنساني. وارتقت بالكلمات الصادقة إلى الملاذ الدائم في سكون الذات، حيث الحقيقة. وتذوقنا معها المعنى بشغف عاشق قبل لقاء الحبيبة، عندما سألت: “كيف تحويك لغتي/ وهواك وسع الأكوان؟”

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى